ثابتتان للبنان الحالي وللبنان المستقبل لن تأتيا برئيس بحجم طموحات من يؤمنون بالديمقراطية والحرية ولبنان المستقل حقاً، إلا إذا ذهبنا إلى مؤتمر تأسيسي جديد إذا أردنا وأُريد للبنان الخلاص من أزماته على الصعد كافة.
الثابتة الأولى أن لبنان الذي يريدونه لنا (مَن لا يريدون لبنان مستقرًا آمنًا مزدهرًا) ممكن أن يستمر كما هو اليوم منهارًا يحاول الخروج من جهنم، من دون رئيس جمهورية ومع حكومة تصريف أعمال، لا حول ولا قوة لها إلا تشريع أن لبنان ممكن أن يبقى من دون رئيس، "ولا شو الرئيس" ما دامت الأمور "ماشية" بلا احترام للدستور ولا احترام للقانون ولا إحترام لعقول الناس الذين ما زالوا يؤمنون بقيامة لبنان، لأن لبنان كما كانت تقول الأديبة والمفكرة السيدة مي المر إن "تاريخ لبنان عملاق التواريخ هوايتو يقوم من الموت".
والثابتة الثانية أن مَن يتربصون بلبنان وهم كثر لا يريدون انتخابات وأوراق وأصوات وديمقراطية، يريدون رئيسًا معينًا "منعمل انتخابات لحفظ ماء وجه الديمقراطية".
نعم الجلسة الثانية عشرة أكدت وإن كان هناك مرشحان جدّيان للإنتخابات الرئاسية لن تنتج رئيسًا، لا اليوم ولا غدًا ولا بعد مئة سنة. لأن دستور الطائف لم يتيقّن للثغرات القاتلة التي تنهي لبنان، إن لم نقل أنهت لبنان الحرية والديمقراطية.
جلسة الرابع عشر من الشهر الجاري أثبتت لا بل أكدت أن لا رئيس من دون توافق وحوار. وأن لا رئيس إذا ما جلسنا على طاولة واحدة، لـ"نطبخ طبخة الرئيس". بالطبع الحوار هو مفتاح كل الحلول في السياسة كما في العائلة. ولكن وُجب السؤال هنا لماذا نطلق على موضوع رئاسة الجمهورية إنتخاب رئيس؟ هذه هي حالنا اليوم... حالنا أننا وصلنا إلى طريق مسدود، بعدما كنّا نأمل أنه بوجود مرشحَين جديَين في الجلسة الإنتخابيّة، يمكن أن تجري اللعبة الديمقراطية بأصولها وقواعدها. وها هي الجلسة تُعقد بحضور 128 نائبًا، أي بحضور جميع النواب، ويمكن أن تكون هي المرة الوحيدة التي يكتمل فيها عقد المجلس كاملًا من دون غياب بسبب وفاة أو مرض أو سفر أو بسبب غياب مقصود، ولم تُنتج رئيسًا ولا الجلسات المقبلة ستُنتج رئيسًا، لأنّ دستور الطائف كان يتكل على "وشواشة أبو جمال وغازي كنعان ورستم غزالة" ولم يتكّل دستور الطائف يومًا على تدخل حافظ الأسد الأب ولا بشّار الأسد الإبن "لأن الشباب كانوا يكفّوا ويوفّوا" وليسوا بحاجة إلى دعم رئاسي.
كثُر عاتبوا البطريرك السياسي للبنان وصاحب الفخامة غير المنتخب ميشال إده، عندما قال يومًا في حديث صحفي أنه "سينام أمام الدبابة السوريّة كي لا يخرج السوريّون من لبنان، لأنه كان يعرف أن الطائف "معمول" على قياس أن لبنان محكوم ولا يمكن له أن يحكم. في حين وفي مقلب آخر صفّق كثيرون للعماد ميشال عون عندما قال يومًا أمام شعب لبنان العظيم زمن قصر الشعب "ومش" قصر بعبدا، متوجهًا إلى السوريين بالقول: الشعب اللبناني ليس قاصرًا وبإمكانه أن يحكم نفسه بنفسه "تفضلوا حلّو عنّا".
ثابت ان صعب لا بل المستحيل الخروج منه لأن دستور الطائف الذي كان القصد منه لإنهاء الحرب في لبنان ومشكور من وضعه ودعمه أو ساهم في وضعه، لأننا كلنا كنّا مع إنهاء الحرب المدمرة للبشر والحجر، ولكن لهم نقول سامحكم الله لأنكم ربما لم تقرأوا الإتفاق جيدًا أو لم تعرفوا أن تطبيقه لن يكتمل وأن انتخاب الرئيس سيكون صعبًا وصعبًا جدًا بالديمقراطية والإنتخاب، كما تسمية رئيس الحكومة والوزراء الذين سيكونون فيها.
للأسف هذه هي الحقيقة المرّة التي بحاجة إلى الكثير من العمل بأخلاق ووطنية ونزاهة وحب حقيقي للبناني وليس لحب الذات، ولمصالح شخصية لا تبني أوطانًا بل تدمرها وعلى ذلك الأمثلة كثيرة.
لبنان سيبقى بلا رئيس ولا رأس حتى إشعار آخر وقد يطول ويطول هذا الإشعار.
طائف جديد أو دوحة جديدة أو مؤتمر تأسيسي جديد، قد يذهب الساسة اللبنانيون إليه برعاية دولية أو عربية، ولكنهم سيذهبون إليه من أجل انتخاب رئيس وليس لإيقاف الحرب هذه المرّة. وقد يكون تفكير السياسيين المتحاورين حول صيغة لبنان الجديد، أنضج لأنّ الحوار لن يكون عنوانه، كما كان عنوان اتفاق الطائف إيقاف الحرب، بل سيكون عنوانه سدّ ثغرات كثيرة في اتفاق الطائف، أظهرتها الممارسة في ظل غياب الوصاية السورية.